كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ فِي الدِّينِ وَعَلَى ثُبُوتِ الْفَسْخِ بِفَوَاتِ هَذِهِ الْكَفَاءَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ بِدُونِ ذَلِكَ وَهُمَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ فَإِنَّ مَنْ نَكَحَ زَانِيَةً مَعَ أَنَّهَا تَزْنِي فَقَدْ رَضِيَ بِأَنْ يَشْتَرِكَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهَا وَرَضِيَ لِنَفْسِهِ بِالْقِيَادَةِ وَالدِّيَاثَةِ وَمَنْ نَكَحَتْ زَانٍ وَهُوَ يَزْنِي بِغَيْرِهَا فَهُوَ لَا يَصُونُ مَاءَهُ حَتَّى يَضَعَهُ فِيهَا؛ بَلْ يَرْمِيهِ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الْبَغَايَا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الزَّانِيَةِ الْمُتَّخِذَةِ خِدْنًا فَإِنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ حِفْظُ الْمَاءِ فِي الْمَرْأَةِ وَهَذَا الرَّجُلُ لَا يَحْفَظُ مَاءَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ شَرَطَ فِي الرِّجَالِ أَنْ يَكُونُوا مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَقَالَ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} وَهَذَا الْمَعْنَى مِمَّا لَا يَنْبَغِي إغْفَالُهُ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَصَّهُ وَبَيَّنَهُ بَيَانًا مَفْرُوضًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا}. فَأَمَّا تَحْرِيمُ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ وَفِيهِ آثَارٌ عَنْ السَّلَفِ وَإِنْ كَانَ الْفُقَهَاءُ قَدْ تَنَازَعُوا فِيهِ وَلَيْسَ مَعَ مَنْ أَبَاحَهُ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ. وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ}.
وَزَعَمُوا أَنَّ الْبَغْيَ مِنْ الْمُحْصَنَاتِ وَتِلْكَ الْآيَاتُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ أَقَلَّ مَا فِي الْإِحْصَانِ الْعِفَّةُ وَإِذَا اُشْتُرِطَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فَذَاكَ تَكْمِيلٌ لِلْعِفَّةِ وَالْإِحْصَانِ وَمَنْ حَرَّمَ نِكَاحَ الْأَمَةِ لِئَلَّا يُرِقَّ وَلَدَهُ كَيْفَ يُبِيحُ الْبَغِيَّ الَّتِي تُلْحِقُ بِهِ مَنْ لَيْسَ بِوَلَدِهِ وَأَيْنَ فَسَادُ فِرَاشِهِ مِنْ رِقِّ وَلَدِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ النِّكَاحَ هُنَا هُوَ الْوَطْءُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الزَّانِيَ لَا يَطَأُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَطَؤُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فَمَنْ وَطِئَ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً بِنِكَاحِ فَهُوَ زَانٍ وَكَذَلِكَ مَنْ وَطِئَهَا زَانٍ فَإِنَّ ذَمَّ الزَّانِي بِفِعْلِهِ الَّذِي هُوَ الزِّنَا حَتَّى لَوْ اسْتَكْرَهَهَا أَوْ استدخلت ذَكَرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ كَانَتْ الْعُقُوبَةُ لِلزَّانِي دُونَ قَرِينِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. وَالْمَقْصُودُ قَوْلُهُ: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَيْسَ هَذَا لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ فَاجِرًا بَلْ لِخُصُوصِ كَوْنِهِ زَانِيًا وَكَذَلِكَ فِي الْمَرْأَةِ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ فُجُورِهَا بَلْ لِخُصُوصِ زِنَاهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَرْأَةَ زَانِيَةً إذَا تَزَوَّجَتْ زَانِيًا كَمَا جَعَلَ الزَّوْجَ زَانِيًا إذَا تَزَوَّجَ زَانِيَةً هَذَا إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ يَعْتَقِدَانِ تَحْرِيمَ الزِّنَا وَإِذَا كَانَا مُشْرِكَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ. وَمَضْمُونُهُ أَنَّ الرَّجُلَ الزَّانِيَ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ حَتَّى يَتُوبَ وَذَلِكَ بِأَنْ يُوَافِقَ اشْتِرَاطَهُ الْإِحْصَانَ وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ زَانِيَةً لَا تُحْصِنُ فَرْجَهَا عَنْ غَيْرِ زَوْجِهَا بَلْ يَأْتِيهَا هُوَ وَغَيْرُهُ كَانَ الزَّوْجُ زَانِيًا هُوَ وَغَيْرُهُ يَشْتَرِكُونَ فِي وَطْئِهَا كَمَا تَشْتَرِكُ الزُّنَاةُ فِي وَطْءِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفْيُ الْوَلَدِ الَّذِي لَيْسَ مِنْهُ. فَمَنْ نَكَحَ زَانِيَةً فَهُوَ زَانٍ أَيْ تَزَوَّجَهَا وَمَنْ نَكَحَتْ زَانِيًا فَهِيَ زَانِيَةٌ أَيْ تَزَوَّجَتْهُ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الزُّنَاةِ قَصَرُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الزَّوَانِي فَتَكُونُ الْمَرْأَةُ خِدْنًا وَخَلِيلًا لَهُ لَا يَأْتِي غَيْرَهَا فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ زَانِيًا لَا يُعِفُّ امْرَأَتَهُ وَإِذَا لَمْ يُعِفَّهَا تَشَوَّقَتْ هِيَ إلَى غَيْرِهِ فَزَنَتْ بِهِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى نِسَاءِ الزَّوَانِي أَوْ مَنْ يَلُوطُ بِالصِّبْيَانِ فَإِنَّ نِسَاءَهُ يَزْنِينَ لِيَقْضِينَ إرْبَهُنَّ وَوَطَرَهُنَّ ويراغمن أَزْوَاجَهُنَّ بِذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَعِفُّوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ فَهُنَّ أَيْضًا لَمْ يَعْفِفْنَ أَنْفُسَهُنَّ عَنْ غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ: عِفُّوا تَعِفُّ نِسَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَبَرُّوا آبَاءَكُمْ تَبَرُّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ وَمِنْ عُقُوبَةِ السَّيِّئَةِ السَّيِّئَةُ بَعْدَهَا؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا رَضِيَ أَنْ يَنْكِحَ زَانِيَةً رَضِيَ بِأَنْ تَزْنِيَ امْرَأَتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً فَأَحَدُهُمَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مَا يُحِبُّ لِلْآخَرِ فَإِذَا رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَنْكِحَ زَانِيًا فَقَدْ رَضِيَتْ عَمَلَهُ وَكَذَلِكَ إنْ رَضِيَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْكِحَ زَانِيَةً فَقَدْ رَضِيَ عَمَلَهَا وَمَنْ رَضِيَ الزِّنَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الزَّانِي. فَإِنَّ أَصْلَ الْفِعْلِ هُوَ الْإِرَادَةُ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ مَنْ غَابَ عَنْ مَعْصِيَةٍ فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا أَوْ فَعَلَهَا: وَفِي الْحَدِيثِ: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ» وَأَعْظَمُ الْخِلَّةِ خِلَّةُ الزَّوْجَيْنِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ فِي نُفُوسِ بَنِي آدَمَ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فَيَسْتَعْظِمُ الرَّجُلُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَعْظَمَ مِنْ غَيْرَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَزْنِيَ فَإِذَا لَمْ يَكْرَهْ أَنْ تَكُونَ زَوْجَتُهُ بَغِيًّا وَهُوَ دَيُّوثٌ كَيْفَ يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ زَانٍ وَلِهَذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ هُوَ دَيُّوثٌ أَوْ قَوَّادٌ يَعِفُّ عَنْ الزِّنَا فَإِنَّ الزَّانِيَ لَهُ شَهْوَةٌ فِي نَفْسِهِ وَالدَّيُّوثُ لَيْسَ لَهُ شَهْوَةٌ فِي زِنَا غَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إيمَانٌ يَكْرَهُ بِهِ زِنَا غَيْرِهِ بِزَوْجَتِهِ كَيْفَ يَكُونُ مَعَهُ إيمَانٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الزِّنَا فَمَنْ اسْتَحَلَّ أَنْ يَتْرُكَ امْرَأَتَهُ تَزْنِي اسْتَحَلَّ أَعْظَمَ الزِّنَا وَمَنْ أَعَانَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ كَالزَّانِي وَمَنْ أَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ مَعَ إمْكَانِ تَغْيِيرِهِ فَقَدْ رَضِيَهُ وَمَنْ تَزَوَّجَ غَيْرَ تَائِبَةٍ فَقَدْ رَضِيَ أَنْ تَزْنِيَ إذْ لَا يُمْكِنُهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ كَيْدَ النِّسَاءِ عَظِيمٌ.
وَلِهَذَا جَازَ لِلرَّجُلِ إذَا أَتَتْ امْرَأَتُهُ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ أَنْ يَعْضُلَهَا لِتَفْتَدِي نَفْسَهَا مِنْهُ وَهُوَ نَصُّ أَحْمَد وَغَيْرِهِ لِأَنَّهَا بِزِنَاهَا طَلَبَتْ الِاخْتِلَاعَ مِنْهُ وَتَعَرَّضَتْ لِإِفْسَادِ نِكَاحِهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُقَامَ مَعَهَا حَتَّى تَتُوبَ وَلَا يَسْقُطَ الْمُهْرُ بِمُجَرَّدِ زِنَاهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُلَاعِنِ لَمَّا قَالَ: مَالِي قَالَ: «لَا مَالَ لَك عِنْدَهَا إنْ كُنْت صَادِقًا عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْت مِنْ فَرْجِهَا وَإِنْ كُنْت كَاذِبًا عَلَيْهَا فَهُوَ أَبْعَدُ لَك» لِأَنَّهَا إذَا زَنَتْ قَدْ تَتُوبُ؛ لَكِنَّ زِنَاهَا يُبِيحُ لَهُ إعْضَالَهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ نَفْسَهَا إنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ أَوْ تَتُوبُ. وَفِي الْغَالِبِ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَزْنِي بِغَيْرِ امْرَأَتِهِ إلَّا إذَا أَعْجَبَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ فَلَا يَزَالُ يَزْنِي بِمَا يُعْجِبُهُ فَتَبْقَى امْرَأَتُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَلَّقَةِ الَّتِي لَا هِيَ أَيِّمٌ وَلَا ذَاتُ زَوْجٍ فَيَدْعُوهَا ذَلِكَ إلَى الزِّنَا وَيَكُونُ الْبَاعِثُ لَهَا عَلَى ذَلِكَ مُقَابَلَةُ زَوْجِهَا عَلَى وَجْهِ الْقِصَاصِ مُكَايِدَةً لَهُ وَمُغَايَظَةً؛ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يَحْفَظْ غَيْبَهَا لَمْ تَحْفَظْ غَيْبَهُ وَلَهَا فِي بُضْعِهِ حَقٌّ كَمَا لَهُ فِي بُضْعِهَا حَقٌّ فَإِذَا كَانَ مِنْ الْعَادِينَ لِخُرُوجِهِ عَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَحْصَنَ نَفْسَهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ دَاعِيَةَ الزَّانِي تَشْتَغِلُ بِمَا يَخْتَارُهُ مِنْ الْبَغَايَا فَلَا تَبْقَى دَاعِيَتُهُ إلَى الْحَلَالِ تَامَّةً وَلَا غَيْرَتُهُ كَافِيَةً فِي إحْصَانِهِ الْمَرْأَةَ فَتَكُونُ عِنْدَهُ كَالزَّانِيَةِ الْمُتَّخِذَةِ خِدْنًا. وَهَذِهِ مَعَانٍ شَرِيفَةٌ لَا يَنْبَغِي إهْمَالُهَا. وَعَلَى هَذَا فَالْمَرْأَةُ المساحقة زَانِيَةٌ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «زِنَا النِّسَاءِ سِحَاقُهُنَّ» وَالرَّجُلُ الَّذِي يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ بِمَمْلُوكِ أَوْ غَيْرِهِ هُوَ زَانٍ وَالْمَرْأَةُ النَّاكِحَةُ لَهُ زَانِيَةٌ فَلَا تَنْكِحُهُ إلَّا زَانِيَةٌ أَوْ مُشْرِكَةٌ وَلِهَذَا يَكْثُرُ فِي نِسَاءِ اللُّوطِيَّةِ مَنْ تَزْنِي بِغَيْرِ زَوْجِهَا وَرُبَّمَا زَنَتْ بِمَنْ يتلوط هُوَ بِهِ مُرَاغَمَةً لَهُ وَقَضَاءً لِوَطَرِهَا وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ بِمُخَنَّثِ يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ هِيَ مُتَزَوِّجَةٌ بِزَانٍ بَلْ هُوَ أَسْوَأُ الشَّخْصَيْنِ حَالًا فَإِنَّهُ مَعَ الزِّنَا صَارَ مُخَنَّثًا مَلْعُونًا عَلَى نَفْسِهِ لِلتَّخْنِيثِ غَيْرُ اللَّعْنَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَعَنَ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ والمترجلات مِنْ النِّسَاءِ وَقَالَ: «أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ» وَكَيْفَ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِمُخَنَّثِ قَدْ انْتَقَلَتْ شَهْوَتُهُ إلَى دُبُرِهِ؟ فَهُوَ يُؤْتَى كَمَا تُؤْتَى الْمَرْأَةُ وَتَضْعُفُ دَاعِيَتُهُ مِنْ أَمَامِهِ كَمَا تَضْعُفُ دَاعِيَةُ الزَّانِي بِغَيْرِ امْرَأَتِهِ عَنْهَا فَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ غَيْرَةٌ عَلَى نَفْسِهِ ضَعُفَتْ غَيْرَتُهُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَغَيْرِهَا؛ وَلِهَذَا يُوجَدُ مَنْ كَانَ مُخَنَّثًا لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ غَيْرَةٍ عَلَى وَلَدِهِ وَمَمْلُوكِهِ وَمَنْ يَكْفُلُهُ وَالْمَرْأَةُ إذَا رَضِيَتْ بِالْمُخَنَّثِ وَاللُّوطِيِّ كَانَتْ عَلَى دِينِهِ فَتَكُونُ زَانِيَةً وَأَبْلَغَ فَإِنَّ تَمْكِينَ الْمَرْأَةِ مِنْ نَفْسِهَا أَسْهَلُ مِنْ تَمْكِينِ الرَّجُلِ مِنْ نَفْسِهِ فَإِذَا رَضِيَتْ ذَلِكَ مِنْ زَوْجِهَا رَضِيَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا. وَلَفْظُ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً} الْآيَةُ يَتَنَاوَلُ هَذَا كُلَّهُ إمَّا بِطَرِيقِ عُمُومِ اللَّفْظِ أَوْ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ وَفَحْوَى الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَأَدْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ كَمَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ وَنَحْوِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وقوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ النِّسَاءَ الْخَبِيثَاتِ لِلرِّجَالِ الْخَبِيثَيْنِ فَلَا تَكُونُ خَبِيثَةٌ لِطَيِّبٍ فَإِنَّ ذَلِكَ خِلَافَ الْحَصْرِ، فَلَا تَنْكِحُ الزَّانِيَةُ الْخَبِيثَةُ إلَّا زَانِيًا خَبِيثًا وَأَخْبَرَ أَنَّ الطَّيِّبِينَ لِلطَّيِّبَاتِ فَلَا يَكُونُ الطَّيِّبُ لِامْرَأَةٍ خَبِيثَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ خِلَافَ الْحَصْرِ؛ إذْ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ جَمِيعَ الْخَبِيثَاتِ لِلْخَبِيثَيْنِ فَلَا تَبْقَى خَبِيثَةٌ لِطَيِّبِ وَلَا طَيِّبٌ لِخَبِيثَةِ. وَأَخْبَرَ أَنَّ جَمِيعَ الطَّيِّبَاتِ لِلطَّيِّبِينَ فَلَا تَبْقَى طَيِّبَةٌ لِخَبِيثِ فَجَاءَ الْحَصْرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُوَافِقًا لِقَوْلِهِ: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ: مَا بَغَتْ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ فَإِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَ صَدْرُهَا بِسَبَبِ أَهْلِ الْإِفْكِ وَمَا قَالُوهُ فِي عَائِشَةَ وَلِهَذَا لَمَّا قِيلَ فِيهَا مَا قِيلَ وَصَارَتْ شُبْهَةٌ اسْتَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اسْتَشَارَهُ فِي طَلَاقِهَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ بَرَاءَتَهَا؛ إذْ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَتُهُ غَيْرَ طَيِّبَةٍ وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ دَيُّوثٌ» وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ السُّوءَ فِي أَهْلِهِ. وَلِهَذَا كَانَتْ الْغَيْرَةُ عَلَى الزِّنَا مِمَّا يُحِبُّهَا اللَّهُ وَأَمَرَ بِهَا حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ لَأَنَا أَغَيْرُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَغَيْرُ مِنِّي؛ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» وَلِهَذَا أَذِنَ اللَّهُ لِلْقَاذِفِ إذَا كَانَ زَوْجَهَا أَنْ يُلَاعِنَ: فَيَشْهَدُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ وَجَعَلَ ذَلِكَ يَدْفَعُ عَنْهُ حَدَّ الْقَذْفِ كَمَا لَوْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَةَ شُهُودٍ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى قَذْفِهَا لِأَجْلِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْغَيْرَةِ وَلِأَنَّهَا ظَلَمَتْهُ بِإِفْسَادِ فِرَاشِهِ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ حَبِلَتْ مِنْ الزِّنَا فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ لِيَنْفِيَ عَنْهُ النَّسَبَ الْبَاطِلَ لِئَلَّا يَلْحَقَ بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ. وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ سَوَاءٌ حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ بِتَلَاعُنِهِمَا أَوْ احْتَاجَتْ إلَى تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ أَوْ حَصَلَتْ عِنْدَ انْقِضَاءِ لِعَانِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَلْعُونٌ أَوْ خَبِيثٌ فَاقْتِرَانُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ يَقْتَضِي مُقَارَنَةَ الْخَبِيثِ الْمَلْعُونِ لِلطَّيِّبِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ حَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَعَنَتْ نَاقَةً لَهَا فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ مَا عَلَيْهَا وَأُرْسِلَتْ؛ وَقَالَ: «لَا تَصْحَبُنَا نَاقَةٌ مَلْعُونَةٌ». وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا اجْتَازَ بِدِيَارِ ثَمُودٍ قَالَ: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ» فَنَهَى عَنْ عُبُورِ دِيَارِهِمْ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْخَوْفِ الْمَانِعِ مِنْ الْعَذَابِ. وَهَكَذَا السُّنَّةُ فِي مُقَارِنَةِ الظَّالِمِينَ وَالزُّنَاةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدِ أَنْ يُقَارِنَهُمْ وَلَا يُخَالِطَهُمْ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يَسْلَمُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُنْكَرًا لِظُلْمِهِمْ مَاقِتًا لَهُمْ شَانِئًا مَا هُمْ فِيهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» وَقَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} الْآيَةُ. وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ عَنْ يُوسُفَ الصِّدِّيقِ وَعَمَلِهِ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ لِصَاحِبِ مِصْرَ لِقَوْمِ كُفَّارٍ. وَذَلِكَ أَنَّ مُقَارَنَةَ الْفُجَّارِ إنَّمَا يَفْعَلُهَا الْمُؤْمِنُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا عَلَيْهَا وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ رَاجِحَةٍ عَلَى مَفْسَدَةِ الْمُقَارَنَةِ أَوْ أَنْ يَكُونَ فِي تَرْكِهَا مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ فِي دِينِهِ فَيَدْفَعُ أَعْظَمَ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَدْنَاهُمَا وَتَحْصُلُ الْمَصْلَحَةُ الرَّاجِحَةُ بِاحْتِمَالِ الْمَفْسَدَةِ الْمَرْجُوحَةِ وَفِي الْحَقِيقَةِ فَالْمُكْرَهُ هُوَ مَنْ يَدْفَعُ الْفَسَادَ الْحَاصِلَ بِاحْتِمَالِ أَدْنَاهُمَا وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى: {إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} ثُمَّ قَالَ: {وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} وَقَالَ: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِين مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} الْآيَةُ.
فَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ مُنَاكَحَةِ الزَّانِي وَالْمُنَاكَحَةُ نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ وَالْمُزَاوَجَةِ وَالْمُقَارَنَةِ وَالْمُصَاحَبَةِ وَلِهَذَا سُمِّيَ كُلٌّ مِنْهُمَا زَوْجًا وَصَاحِبًا وَقَرِينًا وَعَشِيرًا لِلْآخَرِ وَالْمُنَاكَحَةُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ الْمُجَامَعَةُ وَالْمُضَامَّةُ فَقُلُوبُهُمَا تَجْتَمِعُ إذَا عُقِدَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَيَصِيرُ بَيْنَهُمَا مِنْ التَّعَاطُفِ وَالتَّرَاحُمِ مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّى تَثْبُتَ بِذَلِكَ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ فِي غَيْرِ الرَّبِيبَةِ لِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَالتَّوَارُثُ وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ: وَأَوْسَطُ ذَلِكَ اجْتِمَاعُهُمَا خَالِيَيْنِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُعَاشَرَةُ الْمُقَرِّرَةُ لِلصَّدَاقِ كَمَا قَضَى بِهِ الْخُلَفَاءُ وَآخِرُ ذَلِكَ اجْتِمَاعُ الْمُبَاضَعَةِ وَهَذَا وَإِنْ اجْتَمَعَ بِدُونِ عَقْدِ نِكَاحٍ فَهُوَ اجْتِمَاعٌ ضَعِيفٌ؛ بَلْ اجْتِمَاعُ الْقُلُوبِ أَعْظَمُ مِنْ مُجَرَّدِ اجْتِمَاعِ الْبَدَنَيْنِ بِالسِّفَاحِ. وَدَلَّ قَوْلُهُ: {الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ} عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَمِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى النَّهْيِ عَنْ مُقَارَنَةِ الْفُجَّارِ وَمُزَاوَجَتِهِمْ كَمَا دَلَّ عَلَى هَذَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ: مِثْلُ قَوْلِهِ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} أَيْ: وَأَشْبَاهَهُمْ وَنُظَرَاءَهُمْ وَالزَّوْجُ أَعَمُّ مِنْ النِّكَاحِ الْمَعْرُوفِ قَالَ تَعَالَى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا} وَقَالَ: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} وَقَالَ: {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} و{كَرِيمٌ} وَقَالَ: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} وَقَالَ: {جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} وَقَالَ: {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} وَقَالَ: {احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} وَقَالَ: {إنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ}. وَإِنْ كَانَ فِي الْآيَةِ نَصَّ فِي الزَّوْجَةِ الَّتِي هِيَ الصَّاحِبَةُ وَفِي الْوَلَدِ مِنْهَا فَمَعْنَى ذَلِكَ فِي كُلِّ مُشَابِهٍ وَمُقَارِنٍ وَمُشَارِكٍ وَفِي كُلِّ فَرْعٍ وَتَابِعٍ ف {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} و{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}. فَالْمُصَاحَبَةُ وَالْمُصَاهَرَةُ وَالْمُؤَاخَاةُ لَا تَجُوزُ إلَّا مَعَ أَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مُرَادِ اللَّهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي السُّنَنِ: «لَا تُصَاحِبْ إلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَك إلَّا تَقِيٌّ» وَفِيهَا: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يخالل» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِضَفِيرِ» والضَّفِيرُ الْحَبْلُ وَشَكَّ الرَّاوِي هَلْ أَمَرَ بِبَيْعِهَا فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ. وَهَذَا أَمْرٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعِ الْأُمَّةِ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَلَوْ بِأَدْنَى مَالٍ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد: إنْ لَمْ يَبِعْهَا كَانَ تَارِكًا لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْإِمَاءُ اللَّاتِي يَفْعَلْنَ هَذَا تَكُونُ عَامَّتُهُنَّ لِلْخِدْمَةِ لَا لِلتَّمَتُّعِ فَكَيْفَ بِأَمَةِ التَّمَتُّعِ؟ وَإِذَا وَجَبَ إخْرَاجُ الْأَمَةِ الزَّانِيَةِ عَنْ مِلْكِهِ فَكَيْفَ بِالزَّوْجَةِ الزَّانِيَةِ وَالْعَبْدُ وَالْمَمْلُوكُ نَظِيرُ الْأَمَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَعَنَ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَهَذَا يُوجِبُ لَعْنَةَ كُلِّ مَنْ آوَى مُحْدِثًا سَوَاءٌ كَانَ إحْدَاثُهُ بِالزِّنَا أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِيوَاءُ بِمِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا فِي ذَلِكَ تَرْكُهُ إنْكَارًا لِلْمُنْكَرِ.